رئيس التحرير 

أرست نتائج العملية الانتخابية في لبنان مشهدا آخر يؤسس لمرحلة جديدة على المستوى الداخلي كما على علاقاته الخارجية، الخطابات والإشاعات والتشكيك والمال السياسي كل ذلك لم يثني اللبنانيين عن التغيير، الصناديق قالت كلمتها لتبدل بذلك المعادلات التي كلفت لبنان أثمانا باهظة، ولتغلق بيوت زعامات متوارثة في مناطق عديدة.
“ثوار 17 تشرين” كان الرد الصارخ لهم في أقلام الاقتراع التي توزعت أمس الأول الأحد على المحافظات اللبنانية الخمس في 15 دائرة انتخابية تنافس عليها 718 مرشحا بينهم 157 امرأة موزعون على 48 لائحة انتخابية.
مفاجآت كثيرة حملتها انتخابات 2022 أبرزها فوز القوات اللبنانية بأكبر كتلة مسيحية برلمانية في مجلس النواب على حساب كتلة التيار الوطني الحر التي يتزعمها جبران باسيل الذي انقسم جمهوره وأدت مواقفه التخوينية ضد منافسيه واتهامهم بالعمالة مع إسرائيل والعمل بتوجيهات السفارات، لا سيما عشية الانتخابات، إلى ازدياد النقمة عليه.
وفيما يحكى عن 11 نائبا منبثقا من الثورة وتكتل 20 – 22 شخصا من قوى المعارضة والشخصيات المستقلة، كانت وكالة “رويترز” أفادت نقلا عن رئيس الجهاز الانتخابي لـ”التيار الوطني الحر” سيد يونس، أن “التيار المتحالف مع حزب الله في لبنان، حصل على 16 مقعدا في الانتخابات البرلمانية”.
كما ذكرت “رويترز” نقلا عن رئيس المكتب الصحفي لحزب القوات اللبنانية، أنطوانيت جعجع، بأن حزب القوات اللبنانية فاز بـ 20 مقعدا في الانتخابات النيابية اللبنانية وأن هذا العدد يمكن أن يرتفع أكثر، ومع وجود حلفاء من الطوائف والأحزاب الدينية الأخرى يمكن للجبهة اللبنانية أن تشكل “أكبر كتلة برلمانية” في المجلس المؤلف من 128 مقعدا.
ونقلا عن مصادر لم تسمها، أفادت “رويترز” أن حزب الله وحلفاءه قد يخسرون الغالبية النيابية وعلى الأرجح لن يحظى بأكثر من 64 مقعدا في البرلمان.
ورغم أن الثنائي الشيعي أوصل العدد الكبير من نوابه إلى البرلمان بنسبة اقتراع متدنية في مناطقه إلا أن حزب الله  فقد الغطاء المسيحي بخسارة حليفه باسيل مقاعد الأكثرية المسيحية كما عدد من حلفائه في الشارع المسيحي والسني والدرزي (طلال أرسلان، ووئام وهاب، وأسعد حردان وغيرهم ..) الذين خسروا عضويتهم في البرلمان بالإضافة إلى الخروقات التي تعرضت لها لوائحه لصالح قوى التغيير في مناطق عديدة من بينها بعلبك التي خسر فيها معركته بوجه مرشح القوات أنطوان حبشي ودائرة الجنوب – الدائرة الثالثة التي استطاع فيها المرشح طبيب العيون إلياس جرادي ابن بلدة ابل السقي في مرجعيون أن يحقق فوزا على مرشح الحزب القومي السوري أسعد حردان الحليف المقرب من حزب الله والذي سقط للمرة الأولى منذ 30 عاما، وبالتالي تكسر المعارضة حاجز الاكتساح التقليدي للثنائي الشيعي في المنطقة.
وتعالت في سرايا مرجعيون أمس الأصوات الرافضة لعمليات الفرز مع تسريب معلومات عن فوز لائحة “معا نحو التغيير” بمقعد ثان يعود للمرشح عن المقعد الدرزي فراس حمدان بوجه مرشح اللائحة المدعومة من الثنائي الشيعي مروان خير الدين المدير العام لبنك الموارد الذي أثار استفزازا بين الناخبين منذ الإعلان عن ترشحه.
وفي هذا الخصوص أفادت “الوكالة الوطنية للإعلام” أن القاضية نضال شمس الدين في دائرة مرجعيون حاصبيا تلغي صندوق فرنسا، وتبدأ بفرز صندوق قطر في سرايا مرجعيون، بانتظار اتخاذ القرار بخصوص صندوق الإمارات العربية المتحدة، بعد أن تبين وجود اختلاف في عدد الأصوات.
وفيما أفادت معلومات لقناة “الجديد” اللبنانية عن حصول لائحة “معا نحو التغيير” على حاصلين في دائرة الجنوب الثالثة وخسارة مروان خير الدين لمصلحة فراس حمدان أكدت ماكينة الأخير في بيان لها “حصولها على الحاصل الانتخابي”، محذرة من التلاعب بأصوات المغتربين في حاصبيا، لمحاولة منع لائحة “معا نحو التغيير” من نيل حاصلين، عبر إلغاء نتائج 9 أقلام للمغتربين لتغيير نتائج انتخابات دائرة الجنوب الثالثة.
أما في بيروت الثانية معقل تيار المستقبل، فبلغت نسبة المشاركة41% وكانت المقاطعة محدودة جدا بحيث استطاعت القوى السنية المنضوية في لوائح عديدة أن تقطع الطريق على لائحة الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي، كما حققت قوى التغيير خرقين في هذه الدائرة لصالح المرشحين إبراهيم منيمنة وملحم خلف.
في الشوف عاليه ظل الحزب التقدمي الاشتراكي منافسا أول على مقاعد الدائرة مع مفاجآت لافتة بسقوط المرشحين عن المقعد الدرزي طلال أرسلان ووئام وهاب وفوز ثلاثة مرشحين عن القوى التغييرية وهم: مارك ضو وحليمة قعقور ونجاة صليبا.
وفي سياق الإعلان عن النتائج النهائية في بعض الدوائر قال وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي خلال مؤتمر صحفي عقده في الوزارة: “رغم كل التشكيك، استطعنا إجراء الانتخابات بطريقة جيدة، وكل الحملات التي تترافق مع فرز النتائج تأكدوا أنها لا تؤثر على عملنا وعمل القضاة، ففي هذه اللحظات غالبيتهم موجودون ووصلوا الليل بالنهار”.
وأضاف: “إن نسب الاقتراع جيدة، ولم تكن منخفضة، فهي تقريبا أقل قليلا من النسب التي تحققت في الانتخابات السابقة، وإن النظام لدينا يظهر النتائج تباعا، قلما بقلم، وكلما توافرت لدينا أرقام” . وأعلن مولوي النتائج في دوائر: الجنوب الثانية، الجنوب الأولى، كسروان، البقاع الأولى، والبقاع الثاني.
من جانبه أكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أن الحكومة أنجزت الاستحقاق الانتخابي بجدارة، مطالبا باستكمال الخطوات الدستورية. وشدد على “أن العمل مطلوب منذ الآن من كل القوى السياسية التي ستتمثل في المجلس النيابي الجديد لاستكمال الخطوات الدستورية في أسرع وقت ممكن نيابيا وحكوميا، لأن الواقع الذي نعيشه لا يتحمل الاستمرار في التجاذبات على حساب الأولويات”.
وفي تعليق أولي لحزب الله بعد ظهور النتائج توجه النائب محمد رعد للفريق الآخر بالقول : “إذا لم تريدوا حكومة وطنية فأنتم تقودون لبنان إلى الهاوية وإياكم أن تكونوا وقود حرب أهلية، فنحن نرتضيكم أن تكونوا خصوما لنا في المجلس النيابي لكن لا نرتضيكم أن تكونوا دروعا لإسرائيل..عليكم التعاون معنا وإلا فإن مصيركم العزلة.. نحرص على العيش المشترك وإياكم أن تكونوا أعداء لنا فالسلم الأهلي خط أحمر”.